البرلمان الليبي أمام اختبار تشكيل حكومة جديدة وسط الانقسامات
البرلمان الليبي أمام اختبار تشكيل حكومة جديدة وسط الانقسامات
منذ سنوات، تشهد ليبيا مشهدًا سياسيًا معقدًا يتسم بالانقسام بين سلطتين تنفيذيتين متنافستين، الأولى في طرابلس تحت قيادة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى في الشرق بقيادة أسامة حماد الذي تم تكليفه من قبل مجلس النواب. هذا الانقسام يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية ويعمق الأزمة الداخلية، حيث تتنافس السلطات على الشرعية، في ظل غياب توافق حقيقي على آليات تقاسم السلطة وإجراء الانتخابات.
على الرغم من الجهود الإقليمية والدولية المتواصلة لإطلاق مسار انتخابي موحد، إلا أن البلاد لا تزال غارقة في أزمة الشرعية، مع بقاء المؤسسات السياسية الحالية منتهية الولاية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع السياسي. وتستمر الخلافات حول الأسس الوطنية للتوافق وآليات بناء السلطة التنفيذية، مما يعطل أي خطوة نحو التوحيد.
وتجدر الإشارة إلى أن الجمود السياسي يعود جزئيًا إلى تداخل الصلاحيات بين الأجسام الحاكمة وصراع المصالح بين مكونات الشرق والغرب، مما يجعل أي محاولة لتوحيد السلطة التنفيذية محفوفة بالتحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي. وهذا الواقع يثير تساؤلات حول مدى إمكانية تحقيق تقدم حقيقي في توحيد الحكومة.
وفي خطوة جديدة، عاد مجلس النواب إلى الواجهة بدعوة رسمية من رئيسه عقيلة صالح لعقد جلسة يوم الإثنين في مدينة بنغازي. تأتي هذه الدعوة في توقيت حساس بعد تصاعد التوتر بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي، خاصة بعد إصدار الأخير حزمة من المراسيم التي اعتبرها صالح تغولًا على السلطة التشريعية، ودعمًا غير مشروع لحكومة منتهية الولاية.
في خطابه المسجل لملتقى المصالحة الوطنية، أشار رئيس مجلس النواب إلى أن تشكيل حكومة جديدة لا يرتبط بالانتخابات، بل هو ضرورة سياسية ملحة من أجل توحيد البلاد عبر سلطة تنفيذية جديدة بالتشاور مع مجلس الدولة ووفقًا لمقتضيات الاتفاق السياسي. وهو ما يعكس الحاجة الملحة لحل أزمة الشرعية بطريقة سياسية تضمن استقرارًا سياسيًا في البلاد.
من المتوقع أن تتناول الجلسة المرتقبة لمجلس النواب العديد من الملفات الحساسة، مثل الهيكلية المقترحة للميزانية العامة لعام 2025، التي تجاوزت 174 مليار دينار، بالإضافة إلى حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى معالجة أزمة انخفاض قيمة الدينار الليبي وترشيد الإنفاق. كما سيتم مناقشة ملف تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي هذا السياق، أوضح النائب عبد المنعم العرفي أن الحكومة المقترحة ستُناقش في ضوء التقدم الذي تحقق في الحوار مع مجلس الدولة، بهدف الوصول إلى توافق بشأن سلطة تنفيذية موحدة، مما ينهي حالة الانقسام ويؤسس لمرحلة سياسية أكثر استقرارًا. وهذا يعكس أهمية التوافق بين الأطراف المختلفة لتجاوز الأزمة السياسية الحالية.
لكن التحديات التي يواجهها مجلس النواب لا تقتصر على الانقسامات الداخلية فحسب، بل تتعلق أيضًا بتراجع الأوضاع الاقتصادية، والانفلات المؤسسي، وتدخل الأطراف الدولية التي تدفع نحو إجراء انتخابات في بيئة من التوافق. هذا التحدي يعكس الاختبار الدقيق الذي يواجهه مجلس النواب في اتخاذ قرارات مصيرية تمثل مصلحة الوطن، في ظل الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة.
ليست هناك تعليقات